الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (15): قوله تعالى: {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ} أي جبالا ثابتة. رسا يرسو إذا ثبت وأقام. قال: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي لئلا تميد، عند الكوفيين. وكراهية أن تميد، على قول البصريين. والميد: الاضطراب يمينا وشمالا، ماد الشيء يميد ميدا إذا تحرك، ومادت الأغصان تمايلت، وماد الرجل تبختر. قال وهب بن منبه: خلق الله الأرض فجعلت تميد وتمور، فقالت الملائكة: إن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال، ولم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وقال علي بن أبى طالب رضي الله عنه: لما خلق الله الأرض قمصت ومالت وقالت: أي رب! أتجعل على من يعمل بالمعاصي والخطايا، ويلقى على الجيف والنتن! فأرسى الله تعالى فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون. وروى الترمذي في آخر كتاب التفسير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبى سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت فعجب الملائكة من شدة الجبال فقالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله». قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. قلت: وفى هذه الآية أدل دليل على استعمال الأسباب، وقد كان قادرا على سكونها دون الجبال. وقد تقدم هذا المعنى. {وَأَنْهاراً} أي وجعل فيها أنهارا، أو ألقى فيها أنهارا. {وَسُبُلًا} أي طرقا ومسالك. {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي إلى حيث تقصدون من البلاد فلا تضلون ولا تتحيرون. .تفسير الآية رقم (16): فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {وَعَلاماتٍ} قال ابن عباس: العلامات معالم الطرق بالنهار، أي جعل للطريق علامات يقع الاهتداء بها. {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} يعني بالليل، والنجم يراد به النجوم. وقرأ ابن وثاب {وبالنجم}. الحسن: بضم النون والجيم جميعا ومراده النجوم، فقصره، كما قال الشاعر: وكذلك القول لمن قرأ {النجم} إلا أنه سكن استخفافا. ويجوز أن يكون النجم جمع نجم كسقف وسقف. واختلف في النجوم، فقال الفراء: الجدى والفرقدان. وقيل: الثريا. قال الشاعر: أي منه ملوي ومنه محصود، وذلك عند طلوع الثريا يكون. وقال الكلبي: العلامات الجبال. وقال مجاهد: هي النجوم، لان من النجوم ما يهتدى بها، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها، وقاله قتادة والنخعي. وقيل: تم الكلام عند قوله: {وَعَلاماتٍ} ثم ابتدأ وقال: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. وعلى الأول: أي وجعل لكم علامات ونجو ما تهتدون بها. ومن العلامات الرياح يهتدى بها. وفى المراد بالاهتداء قولان: أحدهما- في الاسفار، وهذا قول الجمهور. الثاني- في القبلة. وقال ابن عباس: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} قال: «هو الجدى يا بن عباس، عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم» ذكره الماوردي. الثانية: قال ابن العربي: أما جميع النجوم فلا يهتدى بها إلا العارف بمطالعها ومغاربها، والفرق بين الجنوبي والشمالي منها، وذلك قليل في الآخرين. وأما الثريا فلا يهتدى بها إلا من يهتدى بجميع النجوم. وإنما الهدى لكل أحد بالجدي والفرقدين، لأنها من النجوم المنحصرة المطالع الظاهرة السمت الثابتة في المكان، فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصلا، فهي أبدا هدى الخلق في البر إذا عميت الطرق، وفى البحر عند مجرى السفن، وفى القبلة إذا جهل السمت، وذلك على الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك الأيسر فما استقبلت فهو سمت الجهة. قلت: وسأل ابن عباس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النجم فقال: «هو الجدى عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم». وذلك أن آخر الجدى بنات نعش الصغرى والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينها. الثالثة: قال علماؤنا: وحكم استقبال القبلة على وجهين: أحدهما- أن يراها ويعاينها فيلزمه استقبالها وإصابتها وقصد جهتها بجميع بدنه. والآخر- أن تكون الكعبة بحيث لا يراها فيلزمه التوجه نحوها وتلقاءها بالدلائل، وهى الشمس والقمر والنجوم والرياح وكل ما يمكن به معرفة جهتها، ومن غابت عنه وصلي مجتهدا إلى غير ناحيتها وهو ممن يمكنه الاجتهاد فلا صلاة له، فإذا صلى مجتهدا مستدلا ثم انكشف له بعد الفراغ من صلاته أنه صلى إلى غير القبلة أعاد إن كان في وقتها، وليس ذلك بواجب عليه، لأنه قد أدى فرضه على ما أمر به. على ما أمر به. وقد مضى هذا المعنى في البقرة مستوفى والحمد لله: .تفسير الآية رقم (17): قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ} هو الله تعالى. {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} يريد الأصنام. {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أخبر عن الأوثان التي لا تخلق ولا تضر ولا تنفع، كما يخبر عمن يعمل على ما تستعمله العرب في ذلك، فإنهم كانوا يعبدونها فذكرت بلفظ {من} كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ}. وقيل: لاقتران الضمير في الذكر بالخالق. قال الفراء: هو كقول العرب: اشتبه على الراكب وجمله فلا أدرى من ذا ومن ذا، وإن كان أحدهما غير إنسان. قال المهدوي: ويسأل ب {من} عن البارئ تعالى ولا يسأل عنه ب {ما}، لان {ما} إنما يسأل بها عن الأجناس، والله تعالى ليس بذي جنس، ولذلك أجاب موسى عليه السلام حين قال له: {فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى} ولم يجب حين قال له: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} إلا بجواب {من} وأضرب عن جواب {ما} حين كان السؤال فاسدا. ومعنى الآية: من كان قادرا على خلق الأشياء المتقدمة الذكر كان بالعبادة أحق ممن هو مخلوق لا يضر ولا ينفع، {هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} {أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}. .تفسير الآيات (18- 19): قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} تقدم في إبراهيم. {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} أي ما تبطنونه وما تظهرونه. وقد تقدم جميع هذا مستوفى. .تفسير الآيات (20- 21): قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قراءة العامة {تدعون} بالتاء لان ما قبله خطاب. روى أبو بكر عن عاصم وهبيرة عن حفص {يَدْعُونَ} بالياء، وهى قراءة يعقوب. فأما قوله: {ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} فكلهم بالتاء على الخطاب، إلا ما روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه قرأ بالياء. {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً} أي لا يقدرون على خلق شيء {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ} أي هم أموات، يعني الأصنام، لا أرواح فيها ولا تسمع ولا تبصر، أي هي جمادات فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها بالحياة. {وَما يَشْعُرُونَ} يعني الأصنام. {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقرأ السلمى، {أيان} بكسر الهمزة، وهما لغتان، موضعه نصب ب {يُبْعَثُونَ} وهى في معنى الاستفهام. والمعنى: لا يدرون متى يبعثون. وعبر عنها كما عبر عن الآدميين، لأنهم زعموا أنها تعقل عنهم وتعلم وتشفع لهم عند الله تعالى، فجرى خطابهم على ذلك. وقد قيل: إن الله يبعث الأصنام يوم القيامة ولها أرواح فتتبرأ من عبادتهم، وهى في الدنيا جماد لا تعلم متى تبعث. قال ابن عباس، تبعث الأصنام وتركب فيها الأرواح ومعها شياطينها فيتبرءون من عبدتها، ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى النار. وقيل: إن الأصنام تطرح في النار مع عبدتها يوم القيامة، دليله {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}. وقيل: تم الكلام عند قوله: {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ثم ابتدأ فوصف المشركين بأنهم أموات، وهذا الموت موت كفر. {وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي وما يدرى الكفار متى يبعثون، أي وقت البعث، لأنهم لا يؤمنون بالبعث حثى يستعدوا للقاء الله. وقيل: أي وما يدريهم متى الساعة، ولعلها تكون قريبا. .تفسير الآيات (22- 23): قوله تعالى: {إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} لما بين استحالة الاشراك بالله تعالى بين أن المعبود واحد لا رب غيره ولا معبود سواه. {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} أي لا تقبل الوعظ ولا ينجع فيها الذكر، وهذا رد على القدرية. {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق. وقد تقدم في البقرة معنى الاستكبار. {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} أي من القول والعمل فيجازيهم. قال الخليل: {لا جَرَمَ} كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا، يقال: فعلوا ذلك، فيقال: لا جرم سيندمون. أي حقا أن لهم النار وقد مضى القول في هذا في هود مستوفى. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} أي لا يثيبهم ولا يثنى عليهم. وعن الحسين بن على أنه مر بمساكين قد قدموا كسرا بينهم وهم يأكلون فقالوا: الغذاء يا أبا عبد الله، فنزل وجلس معهم وقال: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} فلما فرغ قال: قد أجبتكم فأجيبوني، فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا. قال العلماء: وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله. وفى الحديث الصحيح«إن المتكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم». أو كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تصغر لهم أجسامهم في المحشر حتى يضرهم صغرها وتعظم لهم في النار حتى يضرهم عظمها». .تفسير الآية رقم (24): قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} يعني وإذا قيل لمن تقدم ذكره ممن لا يؤمن بالآخرة وقلوبهم منكرة بالبعث {ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}. قيل: القائل النضر بن الحارث، وأن الآية نزلت فيه، وكان خرج إلى الحيرة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة فكان يقرأ على قريش ويقول: ما يقرأ محمد على أصحابه إلا أساطير الأولين، أي ليس هو من تنزيل ربنا. وقيل: إن المؤمنين هم القائلون لهم اختبارا فأجابوا بقولهم: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فأقروا بإنكار شيء هو أساطير الأولين. والأساطير: الأباطيل والترهات. وقد تقدم في الأنعام والقول في {ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} كالقول في {ماذا يُنْفِقُونَ} وقوله: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. خبر ابتداء محذوف، التقدير: الذي أنزله أساطير الأولين. .تفسير الآية رقم (25): قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ} قيل: هي لام كي، وهى متعلقة بما قبلها. وقيل: لام العاقبة، كقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}. أي قولهم في القرآن والنبي أداهم إلى أن حملوا أوزارهم، أي ذنوبهم. {كامِلَةً} لم يتركوا منها شيء لنكبة أصابتهم في الدنيا بكفرهم. وقيل: هي لام الامر، والمعنى التهدد. بكفرهم. {وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قال مجاهد: يحملون وزر من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شي. وفى الخبر«أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شي» خرجه مسلم بمعناه. و{من} للجنس لا للتبعيض، فدعاه الضلالة عليهم مثل أوزار من اتبعهم. وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يضلون الخلق جهلا منهم بما يلزمهم من الآثام، إذ لو علموا لما أضلوا. {أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ} أي بئس الوزر الذي يحملونه. ونظير هذه الآية {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ} وقد تقدم في آخر الأنعام بيان قوله: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}. .تفسير الآية رقم (26): قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي سبقهم بالكفر أقوام مع الرسل المتقدمين فكانت العاقبة الجميلة للرسل. {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} قال ابن عباس وزيد بن أسلم وغيرهما: إنه النمروذ بن كنعان وقومه، أرادوا صعود السماء وقتال أهله، فبنوا الصرح ليصعدوا منه بعد أن صنع بالنسور ما صنع، فخر. كما تقدم بيانه في آخر سورة إبراهيم. ومعنى {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ} أي أتى أمره البنيان، إما زلزلة أو ريحا فخربته. قال ابن عباس ووهب: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف. وقال كعب ومقاتل: كان طول فرسخين، فهبت ريح فألقت رأسه في البحر وخر عليهم الباقي. ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سمى بابل، وما كان لسان قبل ذلك إلا السريانية. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة وقرأ ابن هرمز وابن محيصن {السقف} بضم السين والقاف جميعا. وضم مجاهد السين وأسكن القاف تخفيفا، كما تقدم في {وَبِالنَّجْمِ} في الوجهين. والأشبه أن يكون جمع سقف. والقواعد: أصول البناء، وإذا اختلت القواعد سقط البناء. وقوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} قال ابن الاعرابي: وكد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته. والعرب تقول: خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه. فجاء بقوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب فقال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} أي عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا. وقيل: إن المراد بالسقف السماء، أي إن العذاب أتاهم من السماء التي هي فوقهم، قال ابن عباس. وقيل: إن قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ}تمثيل، والمعنى: أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه. وقيل: المعنى أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه. وقيل: المعنى أبطل مكرهم وتدبيرهم فهلكوا كما هلك من نزل عليه السقف من فوقه. وعلى هذا اختلف في الذين خر عليهم السقف، فقال ابن عباس وابن زيد ما تقدم. وقيل: إنه بخت نصر وأصحابه، قال بعض المفسرين. وقيل: المراد المقتسمون الذين ذكرهم الله في سورة الحجر، قال الكلبي. وعلى هذا التأويل يخرج وجه التمثيل، والله أعلم. {وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} أي من حيث ظنوا أنهم في أمان. وقال ابن عباس: يعني البعوضة التي أهلك الله بها نمرودا.
|